الشكل العاشر : الجزء الثانى لفيلم المسيح

كتلميذ مسلم فى مدرسة رهبان ... كان لدى عن المسيح بن مريم -عليه السلام- صورة مختلفة فى ذهنى ... مختلفة عن رسومات الكنائس التى كنت أراها فى مدرستى ... لدى إيمان (بلا أساس و لا أدلة) أن شعره لم يكن أصفر , هو نفسه لا يمت إلى الشقر بصلة .. عيونه عربية أكثر .. و كانت ميوله السياسية أكبر .. و كان يتحدث عن الحكومات كثيراً ...

المسيح الذى فى ذهنى ليس مجرد مزيج من سيرته فى العهود المختلفة (كتب الأديان السماوية الأخرى) و صورته فى القرآن ... بل تدخلت صورة الفلسطينيين فى ذهنى لتضيف جديداً على المزيج .. لتتضح بها الصورة أكثر و ليصبح ما كان غامضاً مفهوماً .. و لتوصل النقاط ببعضها و ينكشف سراً من أسرار اللغز القديم ..

أتذكر إن أحد عجائز القهوة الشعبية التى كنت أجلس فيها من حين إلى الآخر .. كان كلما سمع أحدهم يتكلم عن مشكلة اليهود و الفلسطينيين أو عن تفاصيل الصراع العربى الإسرائيلى رمقنا بنظرة الخبير المتقاعد و أضاف فى كل مرة فتحنا فيها أفواهنا فى هذا الموضوع تعليق واحد لا يتغير أبداً
"يعنى هو أنتوا فاكرين سيدنا موسى كان عصبى بزيادة ليه؟!!! .. ما هو من إللى شافو من المصريين و اليهود و من إللى شافوا بعديها من الفلسطينيين .. جاتكوا القرف كلكوا فى يوم واحد"
... ينظر رواد القهوة إلى بعضهم بملل بعد تلك العبارة الأخيرة ... فقد كانوا يعرفون بقية التعليق المحفوظ الذى يلقيه الرجل كل مرة و بالترتيب دون أن يغير كلمة واحدة ... :

  1. يستهل حديثه برصد معاصر لسلبية المصريين و عن رضاهم بنظام الحكم الحالى و طابور العيش ...
  2. ثم بلؤم اليهود فى كل زمان و مكان (مع تلاوة ضمنية لبعض صفحات بروتوكولات حكماء صهيون) ...
  3. ثم ينهى الخطبة بلوّم الفلسطينيين متحججاً بأنهم "هم إللى باعوا أرضهم" و بقية هذا الكلام الفارغ المعروف التى عادةً ما ينتهى بعبارة "الله يرحمك يا سادات"..
طبعاً أنا أختلف معه فى الرأى عما قاله عن الفلسطينيين فليس هناك من يبيع أرضه ليعيش هو و أسرته فى مُخيم لاجئين ... و لكننى نقلت لكم حديثه لأريكمن شيئاً آخر ... ألم تلاحظوا؟... ألم تروا كيف لغى الرجل حدود الزمان و هو يتحدث؟ ... تداخلت فى ذهنه الصور .. الصور الحالية مع قصص الأنبياء ... فصار يتحدث عن فرعون كأنه أحد كادرات الحزب الوطنى (الديموقراطى) ... و صار يتحدث عن موسى -عليه السلام- و كأن موسى هو أحد مؤسسى حزب "كفاية" أو شىء من هذا القبيل ... أقسم أننى قد لاحظت عيناه قد بدأت تبتل بالدموع و هو يتحدث عن طرد موسى من مصر إلى الشام و بعدها مباشرة تكلم عن ذهاب عمرو خالد إلى لبنان (!!!)

تحدث العجوز عن خمور قريش ... و تحدث عن البانجو و الحشيش ... تحدث عن بيوت الرايات البيضاء ثم تحدث عن السخافات التى تبثها قناة ميلودى (التى تتحدى الدين على حد قوله)


لقد لمس الرجل بلسانه مفهوم نعرفه جيداً و لكننا نتناساه أن "التاريخ يعيد نفسه"


  • نهاية الإسكندر الأكبر كانت هى بالضبط نهاية هتلر ... هُزموا فى نفس المكان من نفس البلد لإرتكابهم نفس الخطأ ...

هكذا كان الأستاذ\مجدى فُل المُدرس المسيحى لمادة التاريخ يكرر لنا دائماً "التاريخ بيعييد نفيه ... أحلفلكوا بإيه إن التاريخ بيعيد نفسه ... ذاكروا فصل واحد من الكتاب .. ماتحفظوش غير الأرقام ... ذاكروا فصل واحد من الكتاب"

كان يقولها ساخراً بالطبع للإيضاح فكرة لم نفهمها للأسف حتى الآن ... أن الفرس و الروم هم أمريكا و إنجلترا ... أن يهود قريش هم نفسهم الصهاينة .. أن أبى لهب (ملك الربى و المال الحرام) هو نفسه أحمد عز (إمبراطور الحديد) .. النيران التى أشعلت روما هى نفسها التى إمتدت لتحرق القاهرة فى الأربعينيات من هذا القرن.. تنابلة سلاطين العصر الفاطمى يسكنون بجانبنا فى مارينا ... لم يتغير شىء إلا الأسماء ...

عندما يأتى ذكر عيسى بن مريم -عليه السلام- (المولود فى فلسطين) فى وسط كل هذا .. نتوقف لحظة للتفكير .. أننى -شخصياً- لم أرى وجهه فى حياتى و لكننى أشعر به ينظر إلى من شاشة التلفاز أثناء نشرة الأخبار ... و قد تعلقت عينا بسيجارة MARLOBORO قد وضعتها فى يدى و أبيت أن أطفأ دخانها الأمريكى ..

أستفيق من أوهامى على صوت المذيع .."كما أسفر هجوم الدبدبات فى الإسرائيلية فى بيت لحم عن مقتل مئة فلسطينى و إصابة"

يخفت صوت التلفاز تدريجياً دون أن ألمس جهاز التحكم .. بل هو الشرود الذى جعلنى أنتقل بعقلى من الحجرة (و إن ظل جسدى فيها)

و تأسرنى فكرة..

هل تنطبق قاعدة "التاريخ يعيد نفسه" على قصة المسيح إبن مريم .. هل يمكننا إعتبار قصة المسيح حدث تاريخى؟.. هل يمكننا النظر إلى عيسى و مريم و يهوذا الاسخريوطي كأنهم شخصيات تاريخية؟

بالطبع ... و لم لا؟ ... إذا كان التاريخ نفسه قد إتخذ من زمن ميلاد المسيح مقياساً .. و قسم الزمان إلى ما قبل الميلاد و بعده ... فأى حادثة تُسجل بمدى قربها أو بعدها زمنياً عن ميلاد المسيح ...

و يتسأل أحدهم " كيف يعيد التاريخ نفسه و أنا لم أرى مسيحاً"

أجيبه فى سرّى ضاحكاً:"هذا لإنك تنتظر صليباً ..

  • تنتظر روماً و يهوداً

  • تنتظر مشاهد مسرحية و أزياء تاريخية قد عفى عليها الزمن

  • تنتظر إحدى لقطات فيلم غربى من إخراج "ميل جيبسون" أيها الأحمق
فلتكن مبدعاً فى تفكريك و فى تحليلك للأمور ... دعك من ظواهر القصة ... إفهم مضمون الحكاية نفسها



  1. طفل فلسطينى قد ولد فى زمان عانت فيه المرأة العربية من ضياع حقوقها

  2. زمان قد تمتع فيه اليهود بنفوذ شديد .. حيث تكون "لوبى" يهودياً ليتحكم سراً فى الولايات المتحدة "الرومانية" التى كانت تحكم العالم حينذاك ...

  3. و لم تكن الشعوب العربية حينها قد وصلت بعد إلى مرحلة النبوغ السياسى .. فقد كانت تخدعهم المظاهر و تفرقهم الشائعات

  4. إضطهده اليهود هو و أمه

  5. و صدق العرب ما قاله اليهود عن مريم أنها قد باعت عرضها (تماماً كما صدقوا أن فلسطين قد باعت أرضها)

  6. لم تجد الأم فراراً من كل هذا إلا أن تسافر إلى مصر فيستكمل الطفل مراحل تعليمه هناك

  7. ثم عاد بعد أن كبر و أصبح شاباً ليعلو صوت رسالته عالمياً... ليبدأ طريقه كقائد لتحول كبير فى تاريخ الحضارة الإنسانية ... و يصبح شوكة فى ظهر الغرب ... فيُخطط لإغتياله بالإشتراك مع الصهاينة
ألا تتلاقى خطوط الرواية مع الكثيرين ؟


  • ياسر عرفات
  • ناجى العلى
  • محمود درويش و غيرهم
صحيح أن القصة ليست هى بالضبط فى كل شىء .. و لكن هذا لا يمنع أن المراحل واحدة ... نفس الحرب الدائرة ... نفس السيناريو و نفس الأدوار .. نفس الملائكة و نفس الشياطين


(كلامى بعيد تماماً عن المسيح المنتظر و علامات القيامة .. أننى أتحدث عن موضوع أساسى .."التاريخ يعيد نفسه")

و لأنها مراحل عديدة و لأن الأمثلة كثيرة ... فلكل شبيه للمسيح مرحلة يمشى فيها ... هناك من تم إغتياله بالفعل .... و هناك من يُخطط لإغتياله و نحن نتحدث ... و هناك من وصل لتوه إلى الدنيا .. فهناك أشباه مسيح تولد فى لحظة كتابة تلك السطور فى إحدى مستشفيات غزة و حُرموا من أبائهم قبل حتى أن يولدوا على يد اليهود ...


و هناك منهم من وصل للتو إلى مصر (أنا شخصياً أعرف واحداً من ذلك النوع الأخير .. شاب فلسطينى أتى مع أمه بعد ما رأوه من اليهود ليستكمل تعليمه فى مصر و ليصبح زميلاً لى فى الأكاديمية العربية) ..



و هناك من أشباه المسيح من لم يولد فى فلسطين من الأساس ..


هناك أشباه مسيح و أشباه مريم و أشباه فرعون و أشباه موسى ... و أشباه قوم لوط ... و أشباه قريش و أشباه إمرأة العزيز ... كل قصص الأنبياء تجرى أحداثها فى الوقت الحاضر ... هل فهمتم؟


ما زالت الفكرة تأسرنى ... ما زلت أتذكر مقاطع مهزوزة (من الذاكرة) من حصص الأستاذ مجدى فُل فى سان مارك (حيث لم يكن هناك فرقاً بين مسلماً و مسيحياً) .. ما زلت أتذكر إبتسامته (الغير مفهومة السبب حينذاك) و هو يحكى لنا كيف أغرق (فى عصر المماليك) أعداء العرب البلاد العربية بالخمور و الحشيش لكى ينتصر الأوروبيون على المسلمين و العرب و هم أنصاف مخمورين ... ثم يقفز بى "مونتاج" الذاكرة بضعة مشاهد لأجد نفسى فى الصف الثانى الثانوى و قد إنتهت حصة الأستاذ مجدى منذ دقائق ... أجد نفسى و قد عاد بى الزمن .. أجد نفسى مرتدياً الزى المدرسى واقفاً فى ملعب الفُسحة ليسألنى أحدهم إن كنت أمتلك المال لأشاركه فى شراء الحشيش ... فهمت حينها لما كان أستاذى يبتسم ...

هناك 13 تعليقًا:

غير معرف يقول...

بوست جميل
ومدونة اجمل

هناك الكثير لاقوله عن هذه التدوينة
فقد اختلف او اتفق مع الكثير من كلامها
لي مرور آخر ولكني الان في شغل عن التدوين والتعليق

تحياتي

غير معرف يقول...

شكراً يا منفى ... أرجعك الله إلى دارك

saso يقول...

بجد عجبانى المدونه دى مع انها بتتكلم فى السياسه وانا زى ما قولتلك فى التعليق اللى فات انى مليش فى السياسه خالص بس احب اقولك تعليقى عليها.
كان من الواضح فى المدونه اللى بعد ديه انك بتشرب حشيش بس بعيدا عن دا انت بجد عندك حصيله هايله جدا من المعلومات التاريخيه والسياسيه وكمان طريقتك فى ربطهم ببعض بجد حلوة ودا كان واضح طبعا فى ذكرك فى المدونه دى لبعض الشخصيات السياسيه المشهورة (اللى انا طبعا معرفهمش)بس اكيد هما مشهورين.
وكمان بيعجبنى تعليقاتك اللى بين السطور اللى بتكون بين قوسيين ودايما بتبقى بالعاميه بجد بتبقى لذيذة اوى

saso

مصطفى محمد أمين يقول...

شكراً يا ساسو ... و بعدين مين قال إن أنا كنت بشرب حشيش أنا كنت واقف معاهم بس ... هاهاها.... قال يعنى:)

شكراً على تعليقك جداً و على موضوعيتك ... و يا ريت لو لقيت حاجة مش عاجباك تبهنى ده مهم جداً بالنسبة لى... علشان أنا بستفاد بخبرتكم بجد

saso يقول...

هو انا قريت كل المنونات اللى موجودة هنا وبجد عايزة احط تعليق على كل واحدة بس بجد انا ملقتش ولا واحدة فيهم وحشه

وبالنسبه للنقطه اللى انت بتقول فيها (انى بتستفيد من خبرتكم)
عايز اقولك انى تقريبا ادك فى السن ومعنديش خبره ولا حاجه كل الحكايا انى بحب اقراء الحاجات اللذيذة دى

وانشاء الله مفيش حاجه مش هتعجبنى
وعايزة اعرف منك لو كان فى حاجت قديمه انت كاتبها ابعتلى موقعها عشان احب اقراها

saso

مصطفى محمد أمين يقول...

لأ أنا لسه مصمم إنى بستفيد من خبرتكم حتى ل وإنتوا أصغر منى كمان!!!
إنتوا إللى شايفين المدونة من بره و حاسين بعيوبها بشكل أوضح ...

بالنسبة للحاجات إللى أنا كتبتها

أنا كتبت رواية تحت الطباعة إسمها إيستيميشن منتظر نزولها مع دار أكتب للنشر و التوزيع

http://www.new.facebook.com/photo.php?pid=4066807&id=716105172

الللينك ده بتاع جروب الرواية على الفيس بووك زيارتك هتفرق معايا كتيير أن بجد بيهمنى رأيك

غير معرف يقول...

kalmk gamil awy w 3gny bs lel-ma3loma mash aktr
تلميذ المسيح اللي خانوا اسمه
" يهوذا الاسخريوطي " ايم صعب معلش


3adel from facebook

غير معرف يقول...

2areet kalamak abl ma3raf senak ... we lama 3erft esta3`rabt awi 3ashan kalamak 7asesni enak akbar mn keda b kteer... bgd enta 7ad 7lw awi ... we sada2ni elmohtameen b afkarak we 2ara2ak zado wa7da

مصطفى محمد أمين يقول...

شكراً جداً للتصحيح
حقيقى بعتذر عن جهلى و سطحيتى التاريخية
أنا عارف إن ده شىء ثقيل الظل بالنسبة لقراء مطلعين

بكرر إعتذارى

أنا سعيد جداً إن القراء زادوا شخص
و معتز بده جداً و فخور بيه أوى
حتى لو مكانتش أعرف إسم الشخص ده إيه

غير معرف يقول...

اسم الشخص دا بسنت و بجد حستنى منك كل جديد (انا قلت اكتب بالعربى عشان ما تكرهنييش )

k يقول...

Mesh momken bgd
Enta 3abqarry bgd

You are very creative
Exceptionally talented
Your style is wild and strong
I think you`ll be someday one of the most respected authors in "Omm el donya" bent el kalb de

Mostafa may be we dont know each other but i owe you a huge deal of admiration and respect

Please never stop writing

واحد و خلاص يقول...
أزال المؤلف هذا التعليق.
غير معرف يقول...

مقال رائع وواعي للغاية
ايقضت فينا مشاعر قد قتلها الزمن

ننتظر جديدك
وياليت لو تصدر كتاب يحتوي مقالاتك لانها مدهشة ..!

إشترك فى المدونة ليصلك جديد المقالات من خلال
Your pictures and fotos in a slideshow on MySpace, eBay, Facebook or your website!view all pictures of this slideshow
رواية إسكندرانية جديدة بتتكلم عن إسكندرية إللى محدش إتكلم عنها قبل كده عن القعدة فى قهوة الريد و كيرماس سان مارك عن خناقات كارفور ما بين سان جابريال و أميريكان عن نزلة زعربانة عن نادى سبورتنج عن المعاويج و الدحيحة و النوفوريش و الناس الغلابة و عن الطبقة الوسطة و عن شرب الخمرة و الحشيش و لعب الإيستيميشن

فقرة من الرواية:"كانت لعبة الإيستيميشن و فن الحشيش بمثابة ثنائى لا يفترق بالنسبة لعمرو سلامة و رامى و كريم شمس و محمد البارودى... و الغريب أن كل واحد منهم كلن لديه فيما سبق ماضياً أفضل ... عمرو منذ سنين كان متديناً بشكل يسر الناظرين ... كريم كانت له ميول حزبية ... و رامى كان أقل جرأة و أكثر أدباً مع الجميع ... و محمد البارودى كان الأول على فصله فى المدرسة ... إنهم النموذج الشهير للنوع من البشر الذين يبحثون عن إستجابة الدعاء فى أكواب الخمور ... و وجدوا الشفافية السياسية فى شفافية ورق البفرة(ورق لف السجائر) الشفاف"

للدخول إلى جروب الرواية على الفيس بوك أضغط هنا

مدونات شقيقة